نتعلم كثيراً عن فنون التواصل والتلاقي وعن تقبّل الآخر والانسجام والتّكيّف معه ولكنّنا ماتعلّمنا عن فنون الفراق والانفصال والانفكاك عن علاقاتٍ غير مناسبةٍ أو مزعجةٍ أو مؤذيةٍ..
هل حصل يوماً أن التقيت بصديقٍ قديمٍ بعد مدّةٍ وكان الّلقاء حاراً دافئاً ومليئاً بالحبّ والعواطف الجميلة وتبادلتم فيه القصص والأخبار ثمّ حكايا الصّغار وحواديت الّليل والنّهار حتّى انتهت مرحلة المشاعر واكتشف كل واحدٍ أنّه قد أصبح على مسافة بعيدة جداً من صديقه القديم؟
ذلك الصديق الذي كان في بداياته الجامعية تغيّر ليصبح أباً فما عاد يتقبّل مزحات صديقه وأسلوبه؟
أو تجده قد تغير وصار أكثر تحفّظاً في علاقاته الشّخصية وانفتاحاً على العالم الخارجيّ فلم يحتمل الأسئلة الكثيرة واعتبر بعض نصائحك تدخلاً وأستاذيّةً؟
هذا التّغيّر في النّفوس جعل تمنيّ عدم رجوع العلاقة والّلقاء يخطر كثيراً في بالك؟
لقد تحطّمت صور الصّديق المأخوذة من الماضي وتراجعت محبّته في القلب بسبب التّغيّر الحاصل الذي لم تتقبّله في شخصيته!!
ببساطة لم يعد هناك شيءٌ مشتركٌ يجمعكما وليس شرطاً أن تحدث مشاجرة!!
وكان عليكما وضع حدٍ فاصلٍ لهذه العلاقة (بافتراقٍ) متفقٍ عليه لايشوبه خصامٌ ولا شحناء..
فراقٌ يحتفظ فيه كلٌّ منكما ببقايا الودِّ والمحبة والصّورة الجميلة عن الآخر وتبقيان على حقّ المسلم على أخيه.
ويسأل كثيرٌ من النّاس بتعجّب عن سبب تلاشي بعض النّاس من حياتهم وفقدانهم دون سبب!! وعن حلولٍ لإنهاء بعض العلاقات ..
فكيف لنا أن نفترق دون ضجيجٍ واختلافٍ، دون اتهاماتٍ بالسّوء والحديث بالعيوب، دون أن يشعر أحدنا بالذّنب ويكمل في ملاحقة صديقه؟
كيف نأتي على من لم نعد نحتمله فنعترف له أنّنا قد وصلنا إلى فجوةٍ كافيةٍ لم تمكننا من العودة مجدداً نحو علاقةٍ صحيةٍ جيدةٍ وقد تغيرت العلاقة نحو شكلٍ آخرٍ لا يفترض لها أن تكون عليها..
هل عليّ أن أبقى أسيراً لأيّ علاقةٍ أخرى لا أريدها؟
لتعلم أيها القارئ أنّه:
– لاشيء يجبرك أبداً على الاستمرار في أيّ علاقةٍ طالما لم تعد راغباً بذلك ..
هذه أوّل قاعدةٍ ينبغي على النّاس فهمها واستيعابها وأنّ لاشيئاً يبقى ثابتاً أبداً فصديق الأمس قد يتغيّر ولن تجده بجانبك, فلم التّمسك الشّديد والعنيف بهذه العلاقات حداً يجعلها خانقةً للآخر ؟!!..
أدب الفراق في قصة موسى والخضر عليهما السّلام:
من أدب الفراق الذي نتعلمه من قصّة موسى والخضر عليهما السّلام حين قرّرا بعد اصطحابهما إنهاء هذه العلاقة مايلي :
– (قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ ۚ )
مواجهة الشّخص : حين يتساءل صديقك عن سبب جفاءك ويلحّ في الّلقاء سيكون من الأفضل أن تخبره بقرارك في حال أراد الاستمرار ومعرفة ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل ولابدّ من الحذر من قول ذلك أمام الناس ، واختيار أسلوبٍ لائقٍ وهادئٍ .
– ( سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا )
أخبر صديقك عن الأسباب: أيّاً كان السّبب فهذا وقت الإفصاح الآن ، أخبره ماحدث بجرأةٍ دون تردّد, وقد يكون الآخر سعيداً بمعرفة ماحدث.
قد لا تكون الصّراحة الأسلوب الألطف حين تدرك أنّ الآخر لا يستوعب ما تقوله وفي هذه الحال اترك العلاقة تتلاشى بمفردها .
من آداب الفراق أيضاً:
– اعط فرصةً للتّحدّث والمشاركة وتغيير الأسلوب : ثلاث فرصٍ قد تكون كافيةً للتراجع والاعتذار وغسل القلوب ، قد يكون الأفضل الإبقاء على علاقةٍ خفيفةٍ بينكما ..
– ضع حدوداً : اترك مسافةً فاصلةً بينكما مع الاحتفاظ بحقّ المسلم على أخيه : (رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ ).
خطوات إنهاء العلاقة :
إنهاء العلاقة يعني البدء بقطع كافّة سبل التّواصل ، التّوقف عن المهاتفة والّلقاءات ، خفّف المحادثات وتوقّف عن تشارك الأسرار والمعلومات الشّخصية وتفاصيل يومك ..
المحادثات السّطحيّة تعطي الرّسميّة في العلاقة وتصنع الحاجز المطلوب لإنهاءها .
– اعتذر وتشاغل وبرّر الغياب ، اختلق الأعذار وارفض الدّعوات بأدبٍ ..
– قد تنتهي بعض العلاقات دون مواجهةٍ ، وقد يختفي بعض النّاس من حياتنا دون سببٍ ، له الحرية المطلقة في فعل ذلك ربّما يفسح ذلك مجالاً لعلاقةٍ أخرى أفضل وأحسن ..
فقط اترك صدرك سليماً على صاحبك ونظّف قلبك من بقايا المشاكل التي حدثت في الماضي .. ولا تذْكُره إلّا بخير
في النّهاية سيلاحظ صديقك أنّك لم تعد تتحدّث بطريقتك المعتادة ، قد يقرّر مناقشتك بشأن هذا كن مستعدّاً لردّة الفعل.
ولكن احذر
إذا كان الآخر مؤذياً لا يكفي كلّ ماسبق, بل عليك أن ( تحذف حساباته على مواقع التّواصل ) وتتجنّب رؤيته والّلقاءات الّتي تجمعك به, واخرج من المجموعات المشتركة إن لم تقدر على تحمّل استفزازه .
قد يكون من الصّعب على بعض الشّخصيّات الّتي تمارس ( الدراما ) أن تتقبّل التّغيّر الجديد في تعاملك .. مرّر الأمر بهدوءٍ وبرودٍ, دون أن تضيف لها المزيد من الأحداث والصّراعات..
وتذكّر قوله تعالى:
{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} .
#أسماء_الجراد
اقرأ أيضاً: ملاحظات الآخرين محل اهتمام