التربية بين إصدار الأوامر وغرس القناعات

عدد المشاهدات الكلي 2,908 , عدد المشاهدات اليوم 3 

يعتقد الكثير من الناس أنه إذا حاول الوالدان أن يؤثرا في ابنهما لدفعه إلى عمل معين فإن نجاحهما يتوقف على إنجاز الابن للعمل أو عدم إنجازه.

والحقيقة أن الأمر ليس مجرد تحقيق هدف وحسب، وإنما يتوقف على سبب استجابة الابن لهذا الأمر، ويتوقف على طريقة التأثير هل هي ملائمة للابن أم لا؟  وهل جاءت استجابة الابن للأمر بسبب سلطة الوالدين؟ أم سلطة الثواب والعقاب؟  أم اضطر لهذا الأمر حتى ينهي الصراع والألم والمعاناة التي يتكبدها في حال عصيانه أو عدم رغبته بتنفيذ الأمر؟

ولهذا فإن التأثير الأصلح والأفضل للابن أن يكون قد أدى ما عليه من مهام أو أعمال بحماس ورغبة وقناعة لأنه رآه مقنعًا مجزيًا ويريد أن يؤديه من نفسه ..  كما أن والديه لم يستخدما سلطتهما في تحريكه لإنجاز العمل، بل كان قيامهما استغلالًا لقدراتهم الذهنية وعواطفهما الأبوية في إقناع الابن بأهمية ذلك العمل . في هذه الحال نسمي التأثير فعالًا وإيجابيًا ومثمرًا والتربية فعلًا ناجحة.

أما ما تقوم به كثير من العوائل التي تربي بنجاح لكنه نجاح غير فعّال يؤثر في السلوك على المدى القصير، حتى إذا غابت السلطة وذهب الرقيب وتفرق الأبناء في الأرض لم يجد الابن في داخله إلا خواءً لا يقدر أن يتكئ عليه، وشعر هو وأسرته بأن كل ما تعلمه ذهب أدراج الرياح ولم يرسخ في ذهنه سوى ” معتقداته وقناعته .”

علينا إذن في المرات القادمة أن نلجأ لأساليب عميقة وفعالة، ونناقش قناعات الطفل وأفكاره ولو استهلك ذلك منا وقتًا طويلًا وجهدًا مضاعفًا، فإذا وجدنا بها أيّ انحراف عدلناه وأي سلوك قومناه، ونترك له مساحة من التفكير والتأمل والتخيل، ولا نعطي الحقائق على طبق من ذهب، حتى يكتسب الطفل قوةً ومناعة حين التعرض لتيارات الحياة الفكرية المختلفة، ولا يعود بعد انطلاقه للعالم هادمًا لكل ما نشأ عليه كافرًا بكل ما آمن به في طفولته .

إذا لم تجرب قدراً معيناً من الأمور ( المتاحة) لن تعرف الرغبات الحقيقية. ماذا سيعرف طفل صغير أي نوع من الطعام هو الأفضل له؟ إنه سيختار الأكثر ألفة بالنسبة له ولا يهمه (قيمة الطعام) ولا شكله ولا ( الشيف الذي صنعه) كلما ازدادت خبرة الطفل في الحياة كلما عرف الفرق بين أن تقدم له الاستكوزا أو البيتزا وأصبح المرغوب له أعمق وأكثر وضوحاً لأنه اختبر ذائقته وطور حواسه وازداد معرفة في الاختيار. شاب يتخرج من بلده في كلية عادية وبعد أن يتعلم ويختلط بالمجتمع وتتاح له فرص التعرف والتواصل يكتشف أن لديه قدرات ممتازة في الإقناع والحوار فتحت الكلية القديمة له ( نافذة للخروج من بلده والعمل في بلد آخر يشجع المواهب كما راكمت مهنته السابقة دائرة معارف جيدة سهلت له طريقه للوصول إلى إدارة قناة عالمية ) أتيحت له فرصة وافقت رغبته ( الجديدة) في حين لو أنه اكتشف أنه ( محاور جيد) في بلده وتخصص بهذا المجال فلن يكون منصبه أبعد من مقدم في الإذاعة المحلية أو قارئ للنشرة الجوية. جرب واطلع واقرأ وتعرف على أكبر قدر من الأمور المتاحة لتعرف ماهي ذائقتك ورغباتك فتستطيع الاختيار الصحيح.

مشاركة المقال:

3 أفكار عن “التربية بين إصدار الأوامر وغرس القناعات”

  1. ” إنه سيختار الأكثر ألفة بالنسبة له ولا يهمه (قيمة الطعام) ولا شكله ولا ( الشيف الذي صنعه)
    كلما ازدادت خبرة الطفل في الحياة كلما عرف الفرق بين أن تقدم له الاستكوزا أو البيتزا”

    معنى حقيقي وعميق ، كلما زادت خبرة الانسان تحقق اكثر معنى الاختيار .

    مقال رائع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إن كان لديك أي مشكلة أو استفسار أو سؤال يمكننا مساعدتك فوراً عبر التواصل سجل اسمك ورسالتك : ​

Contact Form Demo