التعامل مع الصدمات والكوارث

وسط ما تشهده بلادنا العربيّة من حروب وكوارث، كيف نتعامل معها ونحمي أنفسنا من الاضطرابات النفسية؟

نشهد في الأيام الأخيرة أزمة كبيرة في المنطقة العربية ابتداءً بالزلزال الذي شهدته تركيا والشمال السوري، والذي تبعته سلسلة من الاهتزازات الارتدادية، وصولاً إلى زلزال المغرب وأحداث درنة وليبيا، ثم الحرب على فلسطين وغزة، يمتد تأثير الكوارث والحروب ليطال معظم الدول العربية من فلسطين والأردن ولبنان وغيرها.  
فيما يلي نعرض ملخصًا حول أزمات الكوارث والحروب وآثارها النفسية، علنا بذلك نساهم في دعم الضحايا المتعرضين لمثل هذه الكوارث، بعرض طرق تثقيفهم ومساعدتهم على اتخاذ خطوات الوقاية النفسية والحيلولة دون تحويل هذه التجربة الصدمية إلى عصاب نفسي يترك أثره على سلوك المصدوم ومستقبله.

الكوارث والاضطراب النفسي:
تتحدث المراجع الطب – نفسية عن الآثار النفسية التي تتركها الكوارث في نفوس الناجين. حتى أن بعض المدارس والمؤلفين يفردون لهذه الآثار باباً خاصاً في تصنيف الاضطرابات النفسية، ولكن أي من هذه التصنيفات لا يفي بالغرض لدى تطبيقه على المعانين من الآثار النفسية للحرب وللزلزال. فمن خلال خبرتنا في هذا المجال نستطيع التأكيد بأننا نجد بعض علائم هذه التصنيفات لدى المريض السوري والتركي ولكننا لا نجد في أي منها القدرة على استيعاب كافة العلائم المبتدية لدى هذا المريض.

وفيما يلي سنعرض لمتلازمة الكوارث والحروب وأعراضها النفسية والسلوكية:

أ – الكوارث والحروب والتوازن النفسي:
لكل حاسة من حواس الإنسان حدودها الخاصة (ما يسمى بالعتبة). وذلك بحيث تستطيع هذه الحاسة استقبال المثيرات الحسية الواقعة ضمن هذه الحدود وتعجز عن تحليل واستقبال تلك الواقعة خارج هذه الحدود. وتختلف حاسة السمع عن باقي الحواس من حيث قدرتها على استقبال مثيرات أقوى من المثيرات التي تستطيع باقي الحواس استقبالها كل في اختصاصها. ومن هنا كانت للسمع قدرته الخاصة على استثارة الجهاز العصبي. فلدى سماعنا للأصوات فائقة القوة، مثل الصراخ والاستنجاد وصوت تهدم الأبنية والاستغاثات وأصوات الإنذار والإسعاف، فإننا نلاحظ ردود الفعل التالية:

  • خفقان القلب.
  • بضيق التنفس وأو عثراته.
  • الغثيان (لغاية الاستفراغ).
  • الدوار.
  • الضغط على الرأس لغاية الشعور بالصداع.
  • الاستعداد النفسي للإكثار من المسممات ومن مواد الإدمان.

من الوجهة الطبية تعود هذه المظاهر إلى ردود الفعل الفيزيولوجية. وفي مثل هذه الحالات يقوم الجسم بتحويل كميات إضافية من الدم إلى الدماغ والعضلات. مما يؤدي إلى توتر العضلات وبخاصة عضلات الظهر والكتفين والعنق، كما يصبح التنفس ضحلاً.
وفي ملاحظتنا لردود الفعل الأولية نستطيع أن نعدد الردود التالية:

  1. التخدير الحسي: يجمع أولئك الذين عاصروا الكوارث والحروب عن قرب على مرورهم بفترة لا يستطيعون تحديدها من التخدير الحسي، حيث تحولوا خلال هذه الفترة إلى الجمود التام حركياً ونفسياً وكأنهم تحت تأثير التخدير / البنج، وذلك مباشرة عقب الإثارة السمعية البالغة الحدة والمفاجئة المتمثلة بالكوارث والحروب. وغالبيتهم يعتقدون أن فترة التخدير هذه أطول كثيراًج مما هي عليه بالحقيقة.
  2. عدم الاستيعاب: إن فترة التخدير الحسي المذكورة أعلاه هي فترة عدم الاستيعاب الكلي. ولكن بعد مضي هذه الفترة يصبح انعدام الاستيعاب جزئياً. فيبدو الناس وكأنهم فقدوا قدرتهم على التوجه في الزمان والمكان وكأنهم عاجزون عن هذا التوجه ما لم يعرفوا تحديداً ماذا حدث؟ وما لم يستبعدوا وقوع ضحايا من بين أهلهم المقربين.
  3. مظاهر هستيرية: وغالباً ما تبدأ هذه المظاهر بنوع من الصراخ والنواح، وتأتي هذه المظاهر بمثابة حيلة دفاعية تخرج الشخص من حالة عدم الاستيعاب، كما تكون محاولة للهروب من الواقع غير المحتمل حسب المدرسة الفرويدية.
  4. مظاهر نفسية جسدية: بعد المراحل السابقة (التي قد تتداخل ببعضها البعض) يصل الشخص إلى تعقيل الكارثة فيدرك ماهيتها ويتفاعل معها بالخوف أولاً. وبهذا تتبدى لديه المظاهر النفسية – الجسدية المشار لها أعلاه وهي:
    خفقان القلب- ضيق التنفس- الغثيان – الدوار- الضغط على الرأس لغاية الشعور بالصداع – الإكثار من المسممات. وهنا يجب ألا نستبعد إمكانية تسبب الكوارث والحروب (بوصفه انفعال فائق الحد) بأمراض فجائية كمثل الذبحة القلبية والسكتة الدماغية. الخ.

ب‌-    ردود الفعل قريبة الأمد:
في الأيام التالية للكوارث والحروب تتاح لنا معرفة تأثيرها الجماعي. فبعد أن تقتصر مشاهدتنا على الأشخاص الذين تواجدوا معنا صدفة أثناء لحظة الكوارث والحروب والساعات التي تليه نجد أنفسنا أمام الآثار التي تخلفها الكوارث والحروب على صعيد مجموعة سكان المدينة ككل فنلاحظ ما يلي:

  • صعوبات التفكير المنطقي (مناسبة لظهور أو لإعادة إحياء أمراض جسدية مثل نوبات الربو والقرحة … إلخ).
  • حالة من التردد تترافق مع معاودة الشكوى من الدوار.
  • مظاهرات القلق الانهياري.
  • نقص القدرة على المبادرة.
  • إهمال على الصعيد المهني.
  • اضطراب النوم.
  • استمرار بعض المظاهر الهيستيرية ومن ضمنها الخوف الهستيري.
  • ظهور الكوابيس والأحلام المزعجة.
  • ظهور موجة عارمة من الفوبيا من نوع الخوف من الزلازل والأصوات.

وخلال هذه الفترة يمكننا تبين العلائم المذكورة أعلاه من خلال ملاحظتنا للسلوك العام إذ نلاحظ عدداً من التصرفات التي تعكس وقع الكوارث والحروب والعلائم المرضية الجماعية الناجم عنها، ومن هذه التصرفات العامة نذكر:

  • خلو منطقة الكوارث والحروب من الأشخاص والهرب من المنازل بما يقارب أسبوعين. ولا يرتاد هذه المنطقة سوى رجال الإنقاذ، ولكن هذه المنطقة تصبح قفراً أو شبهه في الأيام التالية.
  • في الأيام التالية للكارثة يصبح من العسير النوم أو التجول في الشوارع أو السير بجوار الأبنية العالية.
  • وتزداد الشكاوى المرضية -الوظيفية والهستيرية- في عيادات الطب العام.
  • ردود الفعل متوسطة الأمد:

خلال الأسابيع التالية للكوارث والحرب نلاحظ بداية عمل الجهاز النفسي لاستعادة توازنه بعد هذه الرضة، كما نلاحظ اختفاء العديد من العوارض المذكورة أعلاه، ولكننا وفي المقابل نلاحظ بعض الانعكاسات السلوكية على الصعيد الجماعي التي نستطيع تلخيصها كما يلي:

  1. شعور بعدم الاطمئنان: يؤدي بدوره إلى سلوك يقظة زائدة تهدف إلى تجنب خطر احتمال كارثة آخرى، ويمارس هذا السلوك على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العائلي. وهو استمرارية للخوف من الكوارث والحروب الذي يظل ملازماً للبعض كما سنرى.
  2. الشعور بالذنب أمام ضحايا الكوارث والحروب: إن الذين شهدوا الكوارث والحروب عن قرب يصرحون بأن نجاتهم منه كانت محض صدفة، وغالبيتهم يظلون لمدة أسابيع يتابعون روايتهم عن كيفية مرورهم في مكان الكوارث والحروب أو خروجهم من الأنقاض أو كيفية صمودهم حتى وصول الإنقاذ، كما نلاحظ رواية البعض عن كونهم ناجين حيث تأخروا بالوصول لمكان الكوارث والحروب أوخرجوا منه قبلها، كما أن كثير منهم يتابعون رواية ما شهدوه في المكان بعد حدوث الكوارث والحروب. وفي مجمل هذه الروايات نلاحظ أنهم يشعرون بالذنب لاستمراريتهم في الحياة لأن الصدفة لم تشأ اختيارهم.
  3. مشاعر الغضب والثورة: وهي مشاعر تعكس العجز أمام الحدث الكارثة وأمام من تتهمه الإشاعة بأنه المنفذ.
  4. الانعكاسات النفسية الجسدية: يؤدي الإرهاق الناجم عن الكارثة إلى إعادة إحياء بعض الأمراض الجسدية لدى بعض الذين يتعرضون لهذا الإرهاق وعلى هذا الأساس فإن الأسابيع التالية للكارثة تشهد استمرار النوبات لدى هؤلاء المرضى وبخاصة المصابين منهم بالقرحة والربو والدوار وتصلب العضلات المخططة.
  5. اضطرابات تذكرية:
    وتتبدى هذه الاضطرابات بأشكال مختلفة لدى المتعرضين لهذا الإرهاق وفي هذه الحالة فإن الإصابة الجسدية لأحدهم تلعب دوراً في اضطراب الذاكرة لديه.
  • ردود الفعل طويلة الأمد:
    إن تحرينا لردود الفعل طويلة الأمد يجب أن يراعي خصائص الأفراد ودرجة معاناتهم من الكوارث والحروب لذلك وجب تحري المعالم التالية:
    1-هل عانى الشخص من اضطراب نفسي ما قبل تعرضه لصدمة الكوارث والحروب؟
    2-هل أصيب جسدياً ولو إصابة طفيفة؟
    3-هل أصيب أحد أقربائه؟
    4-هل رأى الكوارث والحروب لحظة حدوثها؟
    5-هل خرج من تحت الأنقاض؟
    6-هل شارك في عمليات الإنقاذ؟
    7-هل كانت له تجارب سابقة مماثلة؟ وفي حال الإيجاب منذ متى؟ وماذا كان تأثير هذه التجارب قبل وقوع الكوارث والحروب؟  
    8-ما هو جنسه؟
    9-ما هو عمر الشخص؟
    10-ما هي الحدود الحقيقية لتعرضه للخطر؟
    11-ما هي درجة انفعاليته التالية للصدمة؟
    فكل واحد من هذه العوامل من شأنه أن يؤثر تأثيرا مهماً في تحديد معاناة الشخص على المدى الطويل، ولقد وضعنا اختبارين بهدف تحديد هذه العوامل وتسهيل مهمة الفاحص في تبين الآثار البعيدة المدى لهذه الكارثة.

الآثار المتوقعة للذين يملكون ميولاً مرضية قبل تعرضهم للكارثة:

  • ردود الفعل المرضية:
    من خلال قراءة عدد من الدراسات التي طالت ردود أفعال الأشخاص المتعرضين لحوادث الزلازل والكوارث الطبيعية في عدة بلدان حول العالم فقد تراوحت الردود إلى:

أولاً: ردود فعل مرضية على الصعيد الجسدي
مثلها مثل أية كارثة فجائية عارمة ومهددة بالموت المفاجئ فإن هذه الكوارث كفيلة بتفجير كافة الاضطرابات البسيكوسوماتية، وبعد أن عرضنا لتسببها بالاضطرابات الوظيفية الهستيرية المجسدة ونوبات الربو والقرحة وغيرها فإننا نعرض في هذه الفقرة تسببها بأمراض عضوية مستديمة لم يكن لها وجود قبل الصدمة، ونكتفي بتعداد هذه الأمراض، التي أتيح لنا معاينتها، وهي:

        • أمراض انسداد الشرايين الذبحة القلبية والدماغية وجلطة الأطراف إلخ..
        • أمراض قلبية انعكست بظهور موجات مرضية على صعيد تخطيط القلب.
        • ارتفاع ضغط مفاجئ ودائم.
        • نوبات صرعية الشكل دون ظهور أية موجات مرضية في تخطيط الدماغ.
        • ظهور نوبات الربو.
        • الموت الفجائي.

ثانياً: ردود فعل مرضية على الصعيد النفسي
بادئ ذي بدء أود التأكيد على التزامي بالمبدأ القائل: ” أن أوضاع الشدة النفسية لا يمكنها أن تؤدي لإحداث الذهانات وإن كان بإمكانها أن تؤدي إلى ردات فعل ذهانيه عابرة “.
ونتيجة التعرض للكوارث نجد ملاحظة الحالات التالية:

        • كانت صدمة الكوارث والحروب والتهديد الذي يصاحبها مناسبة لظهور ذهانات كامنة من نوع الفصام والهوس والهوس الانهياري والذهانات نظيرة المنطقة.
        • كانت الصدمة مناسبة لظهور ردود فعل ذهانية مثل تناذر غانسر وردود الفعل الانتكاسية الذهانية ألخ.

ثالثاً: تناذر الكوارث والحروب

أ‌- انعكاسات الكوارث والحروب على الصعيد النفسي:
يظهر من خلال الفحص الطبي والملاحظة عدد من الانعكاسات النفسية عند المتعرضين للكوارث، منها:

          • تحرك هوام الموت عقب الشعور بتهديد استمرارية الحياة، ففي حالة الكوارث والحروب يكون كل شيء وارد ومحتمل بما في ذلك موت الشخص، وهذا ما يزعزع تفكير الشخص بأن موته مؤجل ويدفعه للاعتقاد بأن موته وارد في كل لحظة.
            وهذه العودة المحتملة إلى الصفر (أي الموت) تفتح الأبواب عريضة أمام ظهور أحلام الموت والموتى كما تفتحها أمام مظاهر النكوص والتثبيت النكوصي التي تؤدي إلى اختلاف التوازن النفسي الجسدي، كما تفتح الأبواب أمام ظهور الأعراض الجسدية.
          • الشعور بانخفاض مستوى الأمن الاجتماعي مما يؤدي بشعور التهديد إلى الامتداد ليطاول أفراد العائلة والمقربين الذين يعتبرهم الشخص موضع تهديد.
          • الشعور بالذنب من قبل الناجين من الكارثة وذلك على الرغم من مساهمتهم الفاعلة في أعمال الإغاثة وإنقاذ الجرحى. وهذا الموقف يعكس وضعية مازوشية ناجمة عن التوحد أو التماهي بضحايا الكوارث والحروب وهو يغذي ويطور علائم القلق الانهياري المتبدية لدى هؤلاء.
          • موقف عدائي متطرف إزاء الجهات التي يعتقد الشخص أنها قادرة على المساعدة ولم تقدمها، شعور بالنقمة على الأشخاص الذين يمارسون حياتهم الطبيعية .
          • اضطرابات تذكرية تختلف من شخص لآخر ومن حالة لأخرى.
          • بعد بضعة أيام من الكوارث تبدأ في ظهور بعض علائم اضطرابات الوعي لدى هؤلاء الأشخاص، كما تظهر لدى بعضهم علائم الاضطراب النفسي.
          • خلال الأشهر التالية للكارثة قد تبدأ عملية تنظيم للأنا وتستمر ظهور الأحلام المرعبة لدى الأشخاص الذي كانوا يحاولون نسيان هذه الأحلام أو يتذكرونها بشكل غامض في البداية.
             إلا أنها كانت تصبح أكثر وضوحاً مع الوقت وكذلك أكثر دقة وغنى بالتفاصيل. وهذا دليل على تحسين جهاز ما قبل الوعي.
          • ملاحظة الاضطرابات السلوكية وتكون على درجات متفاوتة.
          • الخوف من الكوارث والحروب والذي يبدأ من لحظة الخروج من الموقف وقد يستمر عدة سنوات، كما لوحظ على بعض الناجين من الكوارث والحروب في اليابان استمرار الخوف لما يقارب 40 سنة.
          • حالات انهيارية متفاوتة الحدة وممزوجة مع مظاهر القلق وأحيانا الهلع.

             

ب‌- انعكاسات الكوارث والحروب على الصعيد المادي – الأكاديمي- النفسي- الاجتماعي:
سيلاحظ هنا اختلالات متكررة لتوازن الشخصية. كما سيلاحظ نوع من الهذيان الجماعي أو الامراضية الجماعية الناجمة عن الكوارث والحروب.
وتحديداً على الصعيد النفسي- الاجتماعي يمكننا الكلام عن صدمة نفسية جماعية مصدرها الكوارث والحروب. الواقع أن آثار هذه الصدمة ليست بالمفاجئة ولا بالمؤقتة وهي تتلخص بالانحسار والتراجع الهائل للحس الجماعي لدى المتعرضين لهذه الصدمة.

تشير بعض الدراسات العيادية بعد مرور الناجين من الكوارث بنحو عامين، إلى العلائم التالية:

1- غسيل دماغ جماعي:
إن الأعداد الكبيرة من الناس الذين عايشوا الكارثة وجدوا أنفسهم في وضع يشبه المتعرض لغسيل الدماغ، فهم وجدوا أنفسهم فجأة فاقدين لقناعاتهم ومواقفهم ونظرتهم للأمور، وهذا الوضع بسبب عموميته ومطاولته لأعداد كبيرة من الأفراد، يؤدي إلى نوع من الشلل الاجتماعي يعود في أسبابه إلى تغييب أو تحوير النظم والمبادئ المتعارف عليها في هذا المجتمع. وينعكس هذا الاضطراب الاجتماعي على أصعدة عدة هي:

أ‌-على الصعيد الجنسي.
ب‌-اللجوء إلى المخدرات والإكثار من المسممات.
ت‌-تنامي الميول العدوانية.
ث‌-ميل الشباب إلى الوجودية والنجاح.
ح-وتزداد هذه الآثار خطورة لدى الأشخاص ذوي المستوى الثقافي الاجتماعي الأدنى.

2- فقدان التوجه في الزمان والمكان: وقد رأينا هذا الفقد من بداية الكوارث والحروب بصعوبة معرفة الأيام والتاريخ. وكانت هذه البداية عن طريق التخدير الحسي ومن ثم انعدام الاستيعاب والمظاهر الهستيرية.
والواقع أن الكارثة تخلف أثاراً طويلة الأمد لهذا الاضطراب بالتوجه إلى الزمان والمكان، ويتظاهر هذا الاضطراب برفض الشخص أو إهماله لحاضرة وانحسار تفكيره في المستقبل الذي يمكنه أن يأتي بكارثة أخرى خارجية، كما قد يتظاهر هذا الاضطراب بالنكوص إلى الماضي والتعلق ببعض مواقفه (نكوص وتثبيت).

3- من الأفضل أن يتم تطبيق اختبار رسم الوقت حيث من الممكن أن يقدم لنا مساعدة هامة في تحديد مظاهر الاضطراب المشتركة لدى الناجين، وهذه المظاهر لا بد لها وأن تنعكس على الصعيد الاجتماعي.

ج‌- انعكاسات الكوارث والحروب على الصعيد البسكوسوماتي:
يمكن ملاحظة بعض الأعراض البسكوسوماتية على الأفراد منها:

      • التجسيدات الهستيرية: مثل الشعور بالاختناق، نوبات الهلع.
      • اضطرابات قلبية وظيفية.
      • اضطرابات هضمية، وظيفية.
      • تقلصات عضلية تتمثل بآلام في الكتف والرقبة والخواصر واليدين.
      • اضطرابات جنسية.
      • نوبات ارتفاع ضغط انفعالي، متمثلة في سرعة الغضب والتوتر ونوبات البكاء.
      • احتمالية الوفاة بسبب انسداد الشرايين الدماغية.
      • احتمالية التعرض للجلطات القلبية.

نشير إلى أنّ الأعراض التالية تختلف في شدتها وحدتها حسب المقاومة لدى الشخص، كما ذكرنا احتمالية قيام الأنا بمحاولات إعادة تنظيم التوازن النفسي الجسدي، نشير إلى أنّ بعض المحاولات قد تنجح جزئياً وليس كلياً وبالتالي فإن أبواب المرض البسيكوسوماتي: سرطان، قرحة، ذبحة، أمراض دماغية.. تبقى مشرعة لدى المتعرضين للكوارث والحروب.

رابعاً: مسؤوليات الطبيب/ المعالج النفسي

تقسم أدوار الطبيب النفسي في أوضاع الكارثة تقسيماً زمنياً بالنسبة للكارثة، فهنالك مسؤوليات ما قبل الكارثة وأثناءها، ثم تأتي مسؤوليات ما بعد الكارثة وهي مسؤوليات على درجة من التنوع والصعوبة لذلك نكتفي بتعداد بعض وجوهها وبتعبير أدق ميادينها التالية:

  • في حال تأدية الصدمة النفسية إلى عرقلة قدرة الشخص على الاتصال بالطبيب العضوي الذي يعالجه.
  • في حال تأدية الصدمة إلى مظاهر نفسية مرضية تدفع بالمحيط أو بالزملاء لطلب تدخل الطبيب النفسي وفي هذه الحالات علينا ألا نتعجل الأمور، ذلك أن غالبية هذه الاضطرابات تكون عابرة، ومن هنا وجب التحفظ في أسلوب المعالجة وفي تصنيف المريض في إحدى فئات المرض النفسي.
  • على الطبيب أن يحاول استشفاف الآثار، بعيدة المدى الممكنة، المستقبلية التي يمكن للكوارث تخليفها على صعيد التوازن النفسي، الجسدي للشخص.
  • إن تكرار وضعيات الكارثة، في مجتمع ما، يؤدي إلى ظهور أوبئة نفسية تصيب أعداداً كبيرة من الناس ومنها مثلاً الوساوس المرضية والخوف من أمراض القلب أو السرطان وضيق التنفس المتكرر إلخ وعلى الطب النفسي أن يخوض حملات وقائية ضد انتشار هذه الأوبئة.
  • اعتماد مبدأ العلاج بالتفريغ الجماعي للأشخاص المتعرضين للرضة أو ممن دفعتهم انفعاليتهم للتأثر بها بشكل رضي نفسي.
  • وحتى بعد مضي سنوات على الرضة فإن من واجب الطبيب النفسي أن يتحرى ما إذا كانت المظاهر المرضية المعروضة عليه ناجمة عن آثار مثل هذه الرضوض، وهذا التحري ليس إضاعة للوقت في مجتمع تعرض أعضاؤه مثلا لأكثر من زلزال ولأكثر من كارثة من هذا النوع.

على الطبيب أن يتابع الحالات التي يملك أصحابها الأخطار التالية:

      1. مظاهر نفسية (وإن محدودة) قابلة للاستمرار لفترات طويلة.
      2. مظاهر جسدية أدت الصدمة إلى ظهورها أو إلى تطورها.
      3. تفجر أعصبة كامنة وبخاصة عصاب الوساوس المرضية.
      4. خسائر مادية أو معنوية ضخمة وكفيلة بتوليد انهيار رد فعلي.
      5. العمل على تقنين المخاوف والانفعالات والمظاهر العدائية. الناجمة كردود فعل على الكوارث والحروب وتوجيهها باتجاه استمرارية الحياة تخطي الصدمة.

ساعد الناجين لاستعادة الشعور بالسيطرة،

يجب على المعالج أن يعمل مع الناجين على التالي:  

  1. التخطيط للأوقات الصعبة: من الممكن عادة التنبؤ بموعد حدوث أحداث صعبة؛ التخطيط لكيفية قضاء هذا الوقت أمر حيوي.
  2. التكريم والمحافظة على الروابط مع الشخص المتوفى: من الضروري ترك الناجين ليتحدثوا عن أحبابهم وأهلهم ويبكون كثيراً لأجلهم، والقيام بأمور جيدة تكريماً للمتوفين.
  3. ابحث عن أنشطة جديدة وممتعة مع أولئك الذين تُركوا بعد الضياع، قد يكون من الصعب (مع ذلك يظل ضروريًا) تحديد برنامج روتيني جديد.
  4. اعتنِ بنفسك ودع الآخرين يهتمون بك أيضًا
    يجب أن يتمتع العملاء بالتعاطف مع الذات، والاهتمام باحتياجاتهم، والسماح لأنفسهم بالوقت والمساحة للشعور بالحزن، والسماح للآخرين بتولي بعض الأنشطة الأكثر إرهاقًا.

تقترح Mayo Clinic (2021) أيضًا أن طلب العلاج والدعم للحزن المعقد أمر حيوي، بما في ذلك التركيز على الاستراتيجيات التالية:

      • التمسك بخطة العلاج.
        حضور جلسات العلاج وممارسة المهارات على النحو المتفق عليه والمخطط له.
      • تدرب على إدارة الإجهاد
         إيجاد الأنشطة والاستراتيجيات التي تزيل التوتر أو تقلل منه.
      • اعتن بنفسك
        الراحة، وتناول الطعام بشكل جيد، ممارسة المشي والحركة والرياضة، وإيجاد الوقت للاسترخاء لتخفيف التوتر والقلق والاكتئاب.
      • الوصول إلى أنظمة العقيدة الشخصية
        ابحث عن الراحة من خلال الإيمان، ركز على قراءة القرآن والصلاة وذكر الله تعالى.
      • الاختلاط بالآخرين رغم الحزن
        قد يكون من المغري تجنب الآخرين، إلا أن البقاء على اتصال، سواء للاستمتاع أو لطلب الدعم، أمر بالغ الأهمية.
      • الاعتراف والتخطيط لتواريخ خاصة
        حتما، سيكون هناك العديد من المناسبات السنوية “الأولى” أو التواريخ الخاصة في الأشهر ال 12 التي تلي الخسارة. يمكن أن يساعد التخطيط وإيجاد طرق جديدة للحياة.
      • تعلم مهارات جديدة
        قد يبرز فقدان أحد الأحباء نقص المهارات في مجالات معينة من الحياة. هذا هو الوقت المناسب لتعلمهم، سواء من خلال الفصول الدراسية أو المساعدة من الأصدقاء والعائلة.
      • انضم إلى مجموعة دعم
        مر الآخرون بأوقات عصيبة مماثلة. يمكن أن توفر مجموعة الدعم الفرصة لتبادل الخبرات والمشاعر دون الخوف.

مشاركة المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إن كان لديك أي مشكلة أو استفسار أو سؤال يمكننا مساعدتك فوراً عبر التواصل سجل اسمك ورسالتك : ​

Contact Form Demo