بعد الطلاق.. الأبناء مسؤولية من؟

عدد المشاهدات الكلي 1,925 , عدد المشاهدات اليوم 3 

لعل أول ما يتبادر للذهن عند مرورنا بحالة طلاق هو مصير الأبناء، فلا يخفى على أحد التردد الذي يصيب الزوجان قبل مضيهما قدمًا بخطة الانفصال في حال وجود أبناء لا سيما إن كانوا صغار السن، لكن ما إن تطأ أقدامهما أرض الطلاق حتى تتغير الحسابات ويكون الأبناء هم أكثر من يدفع ثمن التجربة. وعادة ما ينقسم الآباء – وأقصد هنا الآباء والأمهات – إلى أقسام: القسم الأول : يستخدم الأبناء للضغط على الطرف الآخر سواء بالنفقة أو التنازل عن الحقوق أو الاستغلال المادي أو النفسي بما يتناسب مع الظروف التي يمرون بها، وقد يُستخدم الأبناء كوسيلة لعقاب الطرف الآخر بحرمانه من رؤيتهم أو تشويه صورته عندهم دون مكسب حقيقي سوى الانتقام والتشفّي، مع تجاهل كامل للأثر النفسي السيء الذي تخلفه هذه التصرفات في نفوس الأبناء، إذا ما تجاهلنا الأثر على الطرف الآخر. والصفة التي يوصف بها هذا النوع من الآباء هي الجهل، لتغليب مشاعر الكراهية والحقد على مشاعر الأبوة والأمومة والحب للأبناء.  القسم الثاني: فهو القسم غير المبالي الذي لا يهمه ما يحلّ بأبنائه، فهم إن كانوا عنده لم يتعب نفسه بعناء التربية والتعليم والاهتمام، وإن كانوا مع الطرف الآخر لن يتعب نفسه بعناء الاتصال والسؤال والمتابعة والقيام بواجباته، وفي الغالب يسعى هذا القسم لتأسيس حياة جديدة قاطعًا الصلة بالحياة القديمة؛ إلا من خيوط قليلة على شكل اتصال أو سؤال بين الحين والآخر، كأن المسؤولية الأبوية تنتهي بهذا السؤال. ويحمل هذا النوع صفة المهمل، لاستهانته بدوره وتنصّله منه وإيثار الانسحاب السلبي كنوع من الحلول المريحة له.  القسم الثالث:  يتحمل مسؤولية أبنائه كاملة، فيقوم بواجباته من تربية ورعاية ونفقة وتعليم، ويؤدي الدور كاملًا رغم صعوبته، ويتقاسم مع الآخر المسؤوليات التي تخص الأبناء سواء كانوا في حضانته أو في حضانة الطرف الآخر، وهذه هي الحالة المثالية التي يندر وجودها في المجتمعات؛ أذ تحتاج لدرجة عالية من الوعي والإدراك بالمسؤولية، والإحساس بالأبوية وتحمل عبء التربية والوعي بأهمية الدور وما يندرج تحت ذلك من أعمال.   لكن ما يحدث في معظم الأحيان هو تحمل أحد الأطراف المسؤولية كاملة وانسحاب الطرف الآخر منها، أو الاكتفاء بدور هامشي ثانوي يظن من خلاله أنه يقوم بدوره، وهنا يقع على الطرف الأول العبء المتعب الذي يستهلك الطاقة والوقت والجسد، وفي كثير من الحالات يكون الطرف المضحي والحامل للمسؤولية هو الأم، ويمكن إرجاع ذلك لسنّ الحضانة والعاطفة الكبيرة التي تمنعها من التّخلّي؛ ليكون أولّ ردّ للمجتمع بدءًا من أقرب الناس وانتهاءً بأبعدهم هو ” ارمي الأولاد وعيشي حياتك” وكأن الأبناء بقية من قطع يمكن الاستغناء عنها ورميها، أو أن الحياة لا تعاش بوجودهم فهم – من وجهة نظر المجتمع – العائق الذي يقف في وجه الأم، وإذا كنا أكثر وعيًا وسألنا المتكلم عن معنى “عيشي حياتك” فيكون الجواب “تزوجي” لتختصر الحياة من جديد بإطار الزواج وتنتهي بانتهائه! جهل تتخبط به المجتمعات في التعامل مع منظومة الزواج وملحقاتها، وقضية الطلاق وتبعاتها، فكما أن لأي عمل أو دور في الحياة مسؤوليات لا يمكن التنازل عنها، فإن للطلاق مسؤوليات لا يمكن التنازل عنها، والمسؤولية الأولى هي القيام بدور الأبناء كاملًا دون محاكمة للطرف الآخر إن قصّر أو تهاون أو انسحب من دوره، ففي النهاية لن نكون حكمًا أو قاضيًا على الآخرين لحثهم على القيام بأدوارهم، ولن نُحاسب يوم الدين عنهم، لكننا سنحاسب عن أنفسنا إن قصرنا أو تهاونا. خلاصة الأمر؛  
تقع مسؤولية الأبناء بعد الطلاق على الطرفين، وكل منهما معنيٌّ بمسؤولياته كاملة من تربية وتعليم ونفقة ورعاية وقيام بالدور كاملًا، فلم يكن الطلاق يومًا حاجزًا أمام القيام بالدور، ولن يكون مبررًا للانسحاب أو التقصير، وحضانة أحد الأطراف للأبناء لا تلغي دور الطرف الآخر في التربية والرعاية، فالدور غير مقصور على النفقة المادية فحسب؛ بل يتجاوزه للمسؤولية الحقيقية في أداء واجبات الأبوة والأمومة. والواعي من يؤدي دوره دون الحاجة لمن يذكره به أو دون أن يمنّ على أبنائه بما يقدمه.

مشاركة المقال:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إن كان لديك أي مشكلة أو استفسار أو سؤال يمكننا مساعدتك فوراً عبر التواصل سجل اسمك ورسالتك : ​

Contact Form Demo