كيف تصعد الأمهات إلى القمة؟

كيف تصعد الأمهات إلى القمة؟

عدد المشاهدات الكلي 5,465 , عدد المشاهدات اليوم 2 

 
كنت أقرأ سيرة غازي القصيبي في كتابه حياة في الإدارة، الرجل الذي صنع حياة تشبه طموحه، وأجاد تقييم التجربة، والتنقل بخفة بين درجات وظيفية مختلفة، وتجربة أدوار جديدة، وأنماط متنوعة من الضغوط!
بقيت أتأمل سيرته فترة من الزمن، ومع كل تفصيل يزداد فضولي لتعرف زوجته!
لعل فضولي يبدو غريبًا، لكن حقيقة الأمر أنني فكرت بالناجحين أصحاب الأسماء البارزة، والشهرة الواسعة وتوصلت إلى نتيجة مفادها: أن زوجاتهم مغمورات لا يعرف أحد باسمهن!

وبتُّ على قناعة أن نجاح أحد الزوجين يتوقف على تضحية الآخر بحمل المسؤولية الأسرية عنه!

وغازي القصيبي يعترف بهذا بلسانه حين قال: إن زوجته هي من تحملت العبء الأكبر في كل شيء من الناحية الأسرية.. فكانت تهتم بشؤون المنزل وتديرها، وتشرف على العاملين، وتهتم بالأبناء.. وأشار هو بأكثر من موطن لاضطراره بالتضحية بكل وقته لينهي أعماله.

تذكرت أيضًا الدكتور أمير تاج السر حين أخبرنا، في إحدى الورش التدريبية، أنه حين يبدأ بكتابة رواية، فإنه يعتزل العالم: فهو يذهب إلى عمله في الصباح، ويعود ويقفل عليه باب الغرفة ليكتب حتى وقت النوم، يستمر على هذه العملية ما يقارب الأسبوعين حتى ينتهي من الرواية!

قلت لزميلتي يومها: لابد أن له زوجة جبَّارة، تحمل البيت حتى لا يسقط!
فكرت مرارًا في كل الأمهات أمثالي اللاتي يرغبن ويطمحن لفرص أفضل في الحياة.. وتمنعهن مسؤولياتهن اللاتي لا يتقاسمنها مع أحد!
فكل وقت نقضيه بعيدًا عن الأبناء يخلق فينا شعورًا بالذنب لا نكاد ننجو منه، وكلما تصرف أبناؤنا بطريقة خاطئة أو قصروا في دراستهم كان سياط الجلد الذاتي يعمل تلقائيًا بلا رحمة، فالتقصير نحمله لأنفسنا، ونجيد وضع العبء علينا جيدًا.
أعرف أمهات كثيرات أجلن دراستهن بسبب استحالة فعلها مع الأبناء، وأخريات تنازلن عن فرص عمل كبيرة؛ لأن ساعات الدوام لا تتناسب مع أوقات الأبناء، منهن صديقات مقربات لي أجلن طموحاتهن اللاتي تطاردهن منذ سنوات؛ ليكبر الأبناء.
أخريات رضين بوظائف لا تتناسب مع شهاداتهن، لكنها تتناسب في ضغطها الخفيف مع أوضاعهن كأمهات ومسؤولات وربات منازل؛ ليستطعن التوفيق بين أعمالهن ومسؤولياتهن.
ولا أريد أن أكون متنازلة عن أحلامي، لكنني أعترف أنني أتأخر في تحقيقها بسبب المسؤولية التي تترتب على الأمومة، ولا أقول إن الأبناء عثرة، حاشا لهم، فهم بسمة أرادها الله لنا.
لكن ما أردت قوله هو: الأبناء مشاريع حقيقة، الاستثمار فيها لن يخسر، قد نؤجل أحلامنا زمنًا، لكننا لن ندفنها.. قد نتنازل عن هوايات، لكننا لا نكرهها، قد نفعل نصف ما نرغب به، لكننا لا ننسى كل رغباتنا، ونسعى فقط لتحقيق رغبات الأبناء!
في عمري مثلًا كان الدكتور غازي القصيبي حاصلًا على الدكتوراة، ويعمل عميدًا، أنا إلى الآن لم أحصل على الماجستير، ومنذ خمس سنوات لم تتحسن وظيفتي، قد لا أنكر أنني أبدعت بها، وأنني الآن أكثر تمرسًا، لكن في الحقيقة، وعلى واقع الأرقام، ما أزال في مكاني.
لكنني وعلى الرغم من ذلك أؤمن أنني سأكون يومًا ما من حملة الشهادات العليا، وسأعمل حيث خططت، قد يحتاج الأمر عشر سنوات أخرى، لا بأس؛ هذا التأخير لن يضرني كثيرًا، لكنه سيأتي بالنفع على أبنائي، فربما أعود إلى الدكتوراة، وهم يحملون سنواتهم الجامعية الأولى.
 

يبقى السؤال:

كيف تصعد الأمهات إلى القمة؟

أجيب بكل قناعة أنهن يصعدن بمهل وإصرار، يصعدن درجة، ويسحبن أبناءهن خلفهن درجة، إن تعثر الابن قليلًا؛ تأخرت الأم قليلًا.. ستصل حتمًا، وستحقق ما تسعى إليه..
لكنها ستحتاج سنوات تثبت فيها شيئين: الأول أنها أنشأت مشروعًا بشريًا منتجًا ناجحًا، والآخر، أن المشاريع التي تمد جذورها لسنين طويلة تنتج سيقانًا كالبامبو تمامًا!
  اقرأ أيضاً ..
أم رائعة وطالبة ناجحة . هل هذا مستحيل؟

شارك المقالة:

1 فكرة عن “كيف تصعد الأمهات إلى القمة؟”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إن كان لديك أي مشكلة أو استفسار أو سؤال يمكننا مساعدتك فوراً عبر التواصل سجل اسمك ورسالتك : ​

Contact Form Demo